“كيف تؤثر التوترات في غزة وإيران على خطاب حقوق الإنسان في مصر؟”
بقلم محمد صبحي المحامي
تعيش المنطقة في حالة غليان مستمر، من الحرب المفتوحة والإبادة في غزة، إلى التصعيد بين إسرائيل وإيران فيما عرف بحرب الإثني عشر يوما ، وهو ما أعاد ترتيب أولويات كثير من الدول، ومنها مصر. في هذا السياق، يُطرح سؤال مهم:
كيف انعكست هذه التوترات الإقليمية على خطاب حقوق الإنسان داخل مصر؟
وهل استُخدمت هذه الأزمات كغطاء لتهميش المطالب الحقوقية، أم أن الدولة أعادت توظيفها لإعادة تشكيل صورتها على الساحة الدولية؟
التوترات الإقليمية… تصعيد مستمر
في غزة العدوان الإسرائيلي المستمر، والدمار الهائل، والمآسي الإنسانية غير المسبوقة وضغط شعبي عربي واسع للتضامن مع الفلسطينيين وفي المقابل نجد تصاعد لغة “الاصطفاف الوطني” و”العدو المشترك”.
وفي إيران تصعيد عسكري مع إسرائيل، وتهديدات متبادلة. وتوتر في الخليج، ومخاوف حقيقية من انفجار إقليمي أوسع.
وتركيز إعلامي ودبلوماسي على مواجهة النفوذ الإيراني والتهديدات الأمنية.
وفي زاوية أخري لمداد البصر يقبع حقوق الإنسان في الظل
فمع تصاعد هذه الأزمات: تراجع ملف حقوق الإنسان عن الواجهة الإعلامية والسياسية.
وتم إعادة صياغة الأولويات لصالح “الأمن القومي” و”الاستقرار الداخلي”.
وخفَّ الضغط الدولي على الحكومة المصرية بشأن المعتقلين أو تقييد الحريات.
في الوقت الي تستعد فيه مصر لخوض استحقاقات انتخابية هامة علي رأسها انتخاب البرلمان بغرفتيه
وبدلاً من التركيز على الحقوق المدنية والسياسية، بات الخطاب الرسمي يُكرّس لثلاث روايات أساسية:
- الاستقرار أولًا: فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، سواء ضد الإرهاب أو الفوضى الإقليمية.
- العدو الخارجي: التركيز على إسرائيل وإيران يُستخدم لتبرير تشديد القبضة الأمنية.
- دور مصر القيادي: تُصدّر الدولة نفسها كوسيط إقليمي مسؤول، ما يُستخدم لتلميع صورتها دوليًا على حساب النقد الحقوقي في ظل ازدواج معاير غربي واضح ومعتاد.
ومن زاوية ثالثة تستغل الدولة المصرية تلك الأزمات… لتبرير للقمع
شهدت الفترة الأخيرة عدة مؤشرات توضح كيف استُخدمت التوترات لتقليص الحريات:
إغلاق المساحات النقدية تحت ذريعة “عدم تشتيت الجبهة الداخلية”. بالاضافة إلي التجميد غير المعلن للحوار الوطني الذي طالما استخدمتة الدولة المصرية لتسويق نفسها دوليا وهو ما لا تحتاجه الان
استعادة خطاب “الوطن في خطر”، لتبرير المراقبة والسيطرة على الفضاء الرقمي والإعلامي.
محاكمة نشطاء أو التضييق عليهم واعتقال المشاركين في التظاهرات حتي تلك الداعمة للشعب الفلسطيني ومن تجرأ وترشح ضدرئيس الجمهورية في الانتخابات السابقة وداعميهممن شرعوا في تأسيس حزبلن يري النور طالما ظل يتبني خطاب يعارض خطاب الدولة ويمثل خطر عليها كنظام حاكم وكل لك وسط تجاهل دولي واضح وقد يكون متعمد من العواصم الكبرى بحجة انشغالها بالحروب.
ومن زاوية رابعة تغير في مواقف الخارج
الدول الغربية – التي طالما انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان في مصر – أصبحت:
تُركّز على دور مصر في ضبط الحدود مع غزة ومنع التصعيد.
تنظر لمصر كـ”عامل استقرار إقليمي” في مواجهة النفوذ الإيراني.
تُخفّف من ضغطها الحقوقي، خشية خسارة هذا “الدور المحوري”.
وبذلك، تتحول الشرعية السياسية الخارجية لمصر من كونها مرتبطة بالإصلاح، إلى كونها مرتبطة بالوظيفة الأمنية.
وهنا يجدر بنا طرح تساؤل هام من يدفع ثمن كل ذلك ؟
المدافعون عن الحقوق يُواجهون صمتًا دوليًا غير مسبوق.
المجتمع المدني يُعاني من ضعف الدعم والتضييق.
المواطن العادي يجد نفسه محاصرًا بخطاب التخويف، بدلًا من مناقشة حقوقه الأساسية.
الخطاب الحقوقي يُعاد تعريفه باعتباره “ترفًا غربيًا” لا يناسب الظروف الحالية.
ورغم مشروعية القلق الإقليمي، إلا أن التوظيف السياسي للتوترات في غزة وإيران من قبل الدولة المصرية ساهم في طمس قضايا الحقوق والحريات، وخلق بيئة أكثر انغلاقًا.
لكن يبقى الرهان على أصوات مستقلة، ومجتمع مدني حقيقي جاد ، قادر على التذكير بأن حقوق الإنسان لا تُجمَّد في أوقات الأزمات، بل تُختبر.